تــہعـہلہمہ مہعـہ ـہآرُكـہًوُنہ تــہوُفـہَيـ ـہقـہً تــہعـہلہمہ مہعـہ ـہآرُكـہًوُنہ تــہوُفـہَيـ ـہ

تــہعـہلہمہ مہعـہ ـہآرُكـہًوُنہ تــہوُفـہَيـ ـہقـہً تــہعـہلہمہ مہعـہ ـہآرُكـہًوُنہ تــہوُفـہَيـ ـہ
تــہعـہلہمہ مہعـہ ـہآرُكـہًوُنہ تــہوُفـہَيـ ـہقـہً تــہعـہلہمہ مہعـہ ـہآرُكـہًوُنہ تــہوُفـہَيـ ـہ تــہعـہلہمہ مہعـہ ـہآرُكـہًوُنہ تــہوُفـہَيـ ـہقـہً تــہعـہلہمہ مہعـہ ـہآرُكـہًوُنہ تــہوُفـہَيـ ـہ

بعض المعاصى الشائعة

بعض المعاصى الشائعة

عقوق الوالدين فى هذا الزمن حَدّث عنه ولا حَرَج, والعلماء – جزاهم الله خيراً – قد أفاضوا فيه, وأظن أن كلنا يحفظ الآيات والأحاديث التى وردت فى البر بالوالدين, والتحذير من عقوقهما، وسيأتى إن شاء الله بعضٌ منها. ولكنى أُذَكّر أبنائى وبناتى بأن هناك ذنوباً كثيرة جعل الله عقوبتها فى الآخرة, إلا (البَغْى) وهو تجاوُز الحَدّ فى الظلم, والاعتداء على الناس, و(عقوق الوالدين) فإن المرْء يُعَذَّب بهما فى الدنيا والآخرة, قال رسول الله r: ((اثنان يُعَجّلهما الله فى الدنيا: البَغْى, وعقوق الوالدين)) [صحيح الجامع:137] وأُناشِدُ الرجال أن يتقوا الله, ولا يمنعوا زوجاتهم من بِرّ أمهاتهنَّ وآبائهنَّ, والنساء أن يتّقينَ الله, ولا يمنعنَ أزواجهنَّ من بِرّ أمهاتهم وآبائهم, وَلْيَعْلَموا جميعاً أن ما يفعلونَه سَيُرَدّ لهم من أولادهم, عاجِلاً أو آجِلاً, إن خَيْراً فَخَيْر, وإن شَرّاً فَشَرّ.  

قطيعة الرَّحِم: قال رسول الله r عن رب العزة سبحانه وتعالى: ((أنا خلقتُ الرَّحِم, وشققتُ لها اسماً من اسمى, فمن وَصَلها وَصَلْتُه, ومن قَطَعَها قَطَعْتُه)) [صحيح الجامع:4314] وقال: ((من سَرَّهُ أن يُعْظِمَ الله رِزْقَه, وأن يَمُدّ فى أجلِهِ, فَلْيَصِل رَحِمَه)) [مسند أحمد, صحيح الجامع:6291] ونريد مستعينين بالله أن نغيّر من أنفسنا, فلا نعامل أهلينا بالنِّديَّة (ولا أى مسلم أو مسلمة, سواء جيران, أو أصدقاء, أو غيرهم) بمعنى أنهم إذا وصلونا وصلناهم, وإذا قطعونا قطعناهم، فقد ذهب رجل إلى رسول الله r وقال له: يا رسول الله.. إن لى قَرابة أصِلُهُم ويقطعوننى, وأُحْسِنُ إليهم ويُسِيئون إلىَّ, وأحْلُمُ عنهم ويجهلون علىَّ, فقال له: ((لَئِنْ كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفّهُم المَلّ, ولا يزال معكَ من الله ظهيرٌ عليهم ما دُمْتَ على ذلك)) [صحيح مسلم] ((الْمَلّ)) معناه الرماد الحارّ، و((ظهير)) معناها نصير, وقال r: ((ليس الواصِل بالمكافِئ, ولكن الواصل الذى إذا قُطِعَت رَحِمُه وصلها)) [صحيح البخارى]

الربا معروف أنه من الكبائر، ولكن أتدرون ما خطورته, بالإضافة إلى حرب الله ورسوله (كما جاء فى سورة البقرة)؟ قبل أن أذكر لكم خطورته, أوَدُّ أن أسألكم: ما رأيكم لو سمعتم أن رجلاً زنى, أو امرأة زنت؟ أظن أنكم لو رأيتمونى الآن, لغضبتم منى غضباً شديداً, وقلتم: هى دِى عايزه سؤال, طبعاً اللّى يعمل كِدَه, أو اللّى تعمل كِدَه, يكونوا كذا وكذا من الشتائم, فما رأيكم بمن يتعامل بالربا؟ سأترك الرد لحديث رسول الله r: ((دِرْهَم ربا يأكله الرجل, وهو يعلم, أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية)) [مسند أحمد, صحيح الجامع:3375] وقوله: ((أهون الربا كالذى ينكح أُمَّه, وإن أرْبَى الربا استطالَة المرء فى عِرْض أخيه)) [صحيح الجامع:2531] حتى يعلم الذين يقترضون بالربا, والذين يتعاملون بما يُسَمَّى الفايظ, أو الذين يعطون أموالهم لمن يتاجر لهم فيها, ويأخذون مبلغاً معيّناً من المال, بغض النظر أكَسَبَ التاجر أَمْ خَسِر, وبغض النظر عن مقدار مَكْسَبه. وتجد – للأسف – الكثير يجادلون, ويقولون: نعمل ايه, ماحنا مانِعْرَفْش نتاجر, ولو تركنا المال هايِتْصِرِف ويضيع, ولا نجد شيئاً نتقوَّت به. يا قوم اتقوا الله.. أتقدرون على حرب الله ورسوله؟ إن خزائن الله مَلأَى, لا تَنْفَدُ أبداً, قال رسول الله r: ((عند الله خزائن الخير والشر, مفاتيحها الرجال, فطوبى لمن جعله الله مِفتاحاً للخير مِغلاقاً للشر, وويل لمن جعله الله مِفتاحاً للشر مِغلاقاً للخير)) [صحيح الجامع:4108] ((مِفتاحاً للخير مِغلاقاً للشر)) (اللهم اجعلنا منهم) كمن يمشى فى حوائج الناس ليقضيها لهم (طبعاً الحلال فقط) ويَدُلُّكَ على الخير، فمثلاً إذا أساء إليك أحد.. يقول لك: مَعْلِش سامحه, دَه ربنا عَفُوّ يحب العَفْو – حافظ على الصلاة فى المسجد – تصدَّق على الفقراء – اذهب لعيادَة المريض – صِل رَحِمَك.. إلخ, أمّا ((مِغلاقاً للخير مِفتاحاً للشر)) (والعياذ بالله) كَمَنْ إذا رآك تسعى فى حوائج الناس.. قال لك: يا عَم انتَ مالَك, هُمَّ حُرّين يعملوا حاجتهم بنفسهم – خَلّيك ناصِح, اوْعَى تِدّى فلان حاجة, دَه مايِسْتَهِلْش – وإذا خاصمك أحد.. يقول لك: إيّاك تِعَبّرُه, زَىّ ما خاصمك تخاصمه, أو يقول لك: دَه انا هاقولَّك على حاجة تعملها تخلّيه يِلِفّ حَوالين نفسه، تخلّيه مايِعْرَفْش راسُه من رِجْلِيه… إلخ.

وننبّه إخواننا على أن هناك أنواعاً كثيرة جداً من الربا لا يعلمونها, وخصوصاً فى البيع والشراء (مثل استبدال الذهب القديم بالذهب الجديد) فَلْيَرْجِعوا إلى كتب الفقه, وَلْيَحْضروا دروس العلم فى المساجد, ليتعلموها, حتى لا يقعوا فى الحرام وهم لا يشعرون. ولا يقول أحد: ما دام انا ماعْرَفْش يِبْقَى ماعالِيش ذنب، ونذكّره بحديث الرسول r: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) [سنن ابن ماجه, صحيح الجامع:3919] قوله r: ((على كل مسلم)) يشمل المسلم والمسلمة.

ومن بين ما سَمّاه الله ربا.. ما يفعله بعض الناس من تبادُل الهدايا فى المناسبات, لغير وجه الله, ولكن ليُرَدّ لهم بأكثر منه.. قال الله عز وجل: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُواَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُوا عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:39] فلابد أن يكون التهادى لوجه الله, وعلى قدر الاستطاعة.. قال رسول الله r: ((تَهادُوا تحابّوا)) [السنن الكبرى للبيهقى, صحيح الجامع:3004] ربما يتساءل البعض ويقول: كيف يكون لله إذا كانت الهدية لأغنياء؟ ونقول له كما قال رسول الله r: ((كل معروف صَنَعتَهُ إلى غنى أو فقير فهو صدقة)) [صحيح الجامع:4558]‌ وننصح إخواننا وأخواتنا ألا تكون كل هداياهم فاكهة وشيكولاتة، لأنها تتراكم عند الناس إلى أن تفسد, ويكون مصيرها سِلال القِمامَة, فى حين أنهم يكونون محتاجين للنقود, أو خزين البيت، ولو كان ظاهرهم غير ذلك, فلا تستحوا أن تهادوهم بها, أو تهادوهم بكتب, أو شرائط, أو سيديهات دينية – وهذا طبعاً أفضل الهدايا – وَكُلٌ بِحَسَب حالِه.

هناك شىء يظن البعض أنه ربا, وهو ليس كذلك.. ما هو؟ هو رَدّ بعض القروض بأكثر منها. أظن أنكم تقولون هُوَّ انتَ اتجننّت وَلْلا إيه؟ لا يا أحِبَّتى فى الله، نعوذ بالله من الجنون, أنا لا أقصد الربا المنهى عنه (والعياذ بالله) وهو اشتراط رَدّ القرض بأكبر منه، ولكن أقصد أنك إذا أخذت شيئاً من جارك أو صديقك (كوباً من الزيت مثلاً, أو مِقداراً من السكر, أو الأرز… إلخ) على سبيل القرض.. فالأفضل أن ترُدّه بأفضل منه، فقد كان رسول الله r يفعل ذلك، بشرط ألا تتفق على هذا مُنذ البداية, أمّا لو اتفقت عليه منذ البداية, أو كانت عادَة معروفة أن الذى يُقرِضُ يَسْتَرِدّ ما أقرَضَه بأكثر منه, فهو الربا الصريح, اللهم فقِّهنا فى ديننا, وعلمنا سنَّة نبينا r وارزقنا اتِّباعه. 

الكذب معلوم أنه من الكبائر، وللأسف.. فإنه منتشر بكثرة, ولأتفه الأسباب, ويكفى أن صاحبه يُكتب عند الله كذاباً، قال رسول الله r: ((إن الصدق ليهدى إلى البر, وإن البر يهدى إلى الجنة, وإن الرجل لَيَصدُق, حتى يُكتب عند الله صِدّيقاً, وإن الكذب يهدى إلى الفجور, وإن الفجور يهدى إلى النار, وإن الرجل لَيكذب, حتى يُكتب عند الله كذاباً)) [صحيح الجامع:1665] وقال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب, وإذا وَعَدَ أخلَف, وإذا ائتُمِنَ خان)) [متفق عليه]

فَلْيَحذر الذين يكذبون فى كل كبيرة وصغيرة, بسبب وبغير سبب, دون أى خوف من الله, ويقولون: ده كِدب ابيض! والذين يكذبون على أولادهم (هاجِبْلَك حاجة حلوة, أنا رايحه آخُد حُقنة, هافسَّحَك فُسْحَة جميلة) أتعلمون أن هذا يُكتب عليكم كذباً, فضلاً على أنكم تعلمونهم الكذب, وعدم الثقة بكم؟ فقد قال رسول الله r للمرأة التى قالت لابنها تعالَ أُعْطِكَ تمرة: ((أمَا إنكِ لو لم تُعطِهِ شيئاً كُتِبَ عليكِ كذبة)) [صحيح الجامع:1319] والذين يَقُصّون على أولادهم قصصاً خيالية كاذبة, أنصحهم أن يَقُصّوا عليهم قصصاً قصيرة من حياة الرسول r وصحابته الكرام y تحببّهم فيهم, بدلاً من الحكايات التى تخيفهم, أو التى لا تحتملها عقولهم.

وهناك أمثلة كثيرة من الكذب يَغفَلُ عنها كثير من الناس, ويظنون أنها ليست كَذِباً, مثل أن يُدعَى أحدهم إلى طعام وهو يشتهيه, فيقول: لا والله ما عايز, أو لا والله انا شبعان, فيكون بذلك قد وقع فى الكذب, وهو من الكبائر, وخالف هَدْى الرسول r الذى قال: ((إذا دُعِىَ أحدكم إلى طعام فَلْيُجب, فإن كان مُفطرِاً فَلْيأكل, وإن كان صائماً فَلْيَدْعُ بالبَرَكَة)) [صحيح الجامع:538] ومثل الذى يكون حزيناً فيسأله جليسه: مالَك, فى حاجة مزَعَّلاك, فيقول له: لا مافيش حاجة, (وليس معنى هذا أن نُفشى أسرارنا للناس, ولكن يمكن التهرّب من أسئلتهم بأسلوب لطيف ليس فيه كذب) ومثل التى توقظ أولادها للمدرسة, فتقول لهم مثلاً: إن الساعة 7, فى حين أنها 6, وغير ذلك من أمثلة الكذب فى حياتنا كثيرة, فاللهم تب علينا وعلى المسلمين أجمعين. 

والمصيبة الكبرى هى الحَلِف بالله كذباً، وقد قال العلماء: إنه يُسَمَّى (يمين غَمُوس) أى يغمس صاحبه فى الإثم ثم فى النار، وليس له كفارة إلا التوبة النصوح، قال رسول الله r: ((الكبائر الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وقتل النفس, واليمين الغَمُوس)) [صحيح البخارى] وقال: ((من أكبر الكبائر الشرك بالله, واليمين الغَمُوس)) [صحيح الجامع:5900]  فَحَذارِ من الحَلِف بالله كذباً مهما كانت الظروف، فلن يكون عقاب أحد أشد من عقاب الله.

أمّا الذين يحلفون أنهم سيفعلون أشياءً ثم لا يفعلونها, فننصحهم أن يقولوا: إن شاء الله، فيقولوا مثلاً: سأعمل كذا إن شاء الله, وفى هذه الحالة إن لم يقدروا على فعل ما حلفوا عليه, فلن يكون عليهم كفارة يمين, لأن الله عز وجل لم يَشَأ, حتى إن بعض العلماء قالوا: إن نَسِىَ الإنسان أن يقول إن شاء الله فى حَلِفِه, فيمكنه أن يقولها بعد فترة, ولكن قبل أن يحنث فى يمينه (يفعل عكس ما أقسم عليه) وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى, قال رسول الله r: ((من حَلَفَ على يمين فقال: إن شاء الله, فهو بالخِيار, إن شاء أمْضَى, وإن شاء ترك)) [سنن النسائى, صحيح الجامع:6210]‌

وهناك نوع من أخطر أنواع الكذب, وهو ترويج الإشاعات, مثل كذبة إبريل, ومثل ما يحدث من اتهام الأبرياء فى الصُّحُف والمجَلات, والتِلفاز, وشبكة المعلومات (الإنترنت) وغير ذلك, وقد توَعَّد الرسول r فاعله بالعذاب الشديد, فى قوله: ((رأيتُ الليلة رجلين أتيانى, فأخذا بيدى, فأخرجانى إلى الأرض المقدَّسة, فإذا رجل جالس, ورجل قائم على رأسه, بيده كَلُّوب من حديد, فيدخله فى شِدْقِه فيشقه, حتى يخرجه من قفاه, ثم يخرجه, فيدخله فى شِدْقِه الآخر, ويلتئِم هذا الشِّدْق, فهو يفعل ذلك به, فقلتُ: ما هذا؟ قالا: انطلق, فانطلقتُ معهما, فإذا رجل مُسْتَلْقٍ على قفاه, ورجل قائم بيده فهر أو صخرة, فيَشدَخ بها رأسه, فيتدَهْدَه الحجر, فإذا ذهب ليأخذه, عاد رأسه كما كان, فيصنع مثل ذلك, فقلتُ: ما هذا؟ قالا: انطلق, فانطلقتُ معهما, فإذا بيت مَبْنِىّ على بناء التنّور, أعلاه ضيّق, وأسفله واسع, يُوقَدُ تحته نار, فيه رجال ونساء عُراة, فإذا أُوقِدَت ارتفعوا, حتى يكادوا أن يخرجوا, فإذا أُخْمِدَت رجعوا فيها, فقلتُ: ما هذا؟ قالا: انطلق, فانطلقتُ, فإذا نهر من دم فيه رجل, وعلى شاطئ النهر رجل بين يديه حجارة, فيُقْبِلُ الرجل الذى فى النهر, فإذا دَنا ليخرج, رَمَى فى فِيهِ حَجَراً, فرجع إلى مكانه, فهو يفعل ذلك به, فقلتُ: ما هذا؟ قالا: انطلق, فانطلقتُ, فإذا رَوْضَة خضراء, وإذا فيها شجرة عظيمة, وإذا شيخ فى أصلِها, حوله صِبيان, وإذا رجل قريب منه, بين يديه نار, فهو يحشّها ويوقدها, فصعدا بى فى شجرة, فأدخلانى داراً لم أرَ داراً قط أحسن منها, فإذا فيها رجال شيوخ وشباب, وفيها نساء وصِبيان, فأخرجانى منها, فصَعَدا بى فى الشجرة, فأدخلانى داراً هى أحسن وأفضل, فيها شيوخ وشباب, فقلتُ لهما: إنكما قد طوَّفتمانى منذ الليلة, فأخبرانى عمَّا رأيتُ, قالا: نعم, أمّا الرجل الأول الذى رأيتَ, فإنه رجل كذّاب, يكذب الكَذِبَة, فَتُحْمَلُ عنه فى الآفاق, فهو يُصنَع به ما رأيتَ إلى يوم القيامة, ثم يصنع الله تعالى به ما شاء, وأما الرجل الذى رأيتَ مُستلقِياً على قفاه, فرجل آتاهُ الله القرآن, فنام عنه بالليل, ولم يعمل بما فيه بالنهار, فهو يُفعَلُ به ما رأيتَ إلى يوم القيامة, وأمّا الذى رأيتَ فى التنّور, فهم الزناة, وأما الذى رأيتَ فى النهر, فذاك آكِلُ الربا, وأما الشيخ الذى رأيتَ فى أصل الشجرة, فذاك إبراهيم عليه السلام, وأمّا الصِبيان الذين رأيتَ, فأولاد الناس, وأما الرجل الذى رأيتَ يُوقِدُ النار, فذلك خازن النار, وتلك النار, وأمّا الدار التى دخلتَ أوَّلاً, فدار عامَّة المؤمنين, وأمّا الدار الأخرى, فدار الشهداء, وأنا جبريل, وهذا ميكائيل, ثم قالا لى: ارفع رأسك, فرفعتُ, فإذا كهيئة السحاب, فقالا لى: وتلكَ دارُك, فقلتُ لهما: دَعانى أدخلُ دارى, فقالا: إنه قد بَقِىَ لكَ عمر لم تستكمله, فلو استكملتَهُ دخلتَ دارَك)) ‌[صحيح الجامع:3462]‌ الحديث طويل, أوْرَدتُه بكامِلِه لفائدتِه العظيمة, والشاهد منه فى موضوعنا قوله r: ((رجل كذاب, يكذب الكذبة, فتُحمَل عنه فى الآفاق)) فلا ينبغى للمسلم أن يروى كل ما قرأ, أو سمع, دون التأكّد من صِحّته, فقد قال رسول الله r: ((من ستر أخاه المسلم فى الدنيا, ستره الله يوم القيامة)) [مسند أحمد, صحيح الجامع:6287] إن هذا أمْر بالستر على من فعل المعصية, فكيف بمن لم يفعلها؟ فاتقوا الله فى إخوانكم, ولا تسارعوا بنشر كل ما سمعتموه أو قرأتموه بين الناس, قال رسول الله r: ((كفى بالمرء كَذِباً أن يُحَدّث بكُلّ ما سَمِع)) [صحيح مسلم] أى أن المرء يقع فى الكذب (ولو لم يقصده) إذا حَدَّث بكل ما سمع, وهذا ما يقع فيه كثير من الناس, حتى إنهم يؤكّدون – وربما يحلفون – على صِدْق ما سمعوه, وهم لا يعلمون.

خيانة الأمانة يظن البعض أنها فى الأشياء الخطيرة فقط, بل إنها فى الصغير كما هى فى الكبير, قال رسول الله r: ((إذا حَدَّثَ الرجل بحديث, ثم التَفَتَ, فهى أمانة)) [سنن أبى داود والترمذى, صحيح الجامع:486] وقال: ((يا أيها الناس! إن هذا من غنائِمِكُم, أدّوا الخيْط والمخيَط, فما هو فوق, فإن الغُلول عار على أهله يوم القيامة, وشنار, ونار)) [صحيح الجامع:7869] يتضح من الحديث الأول أنه لا يُشترَط أن الذى يحدثك بشىء يقول لك: لا تَقُل لأحد، إن مجرَّد التفاتِه ليرَى هل يسمعه أحد أم لا, هو بمثابة قوله لك: لا تَقُل لأحد. وللأسف نرى الكثير ممن يذيع سِرّ أخيه.. ويقول: هو قال لى ماتقولْش لِحَد, لكن انا بَقُول لك انت بَس, وما تقولْش لِحَد! والآخر يقول.. ثم الذى بعده.. وهكذا, والحديث الثانى يتكلم عن “الغُلول” وهو أخذ شىء من الغنائِم بغير إذن وَلِىّ الأمر، ولو كان خيْطاً, أو إبرة “المخيَط” وتخيَّلوا كيف أن الأمر فى غايَة الخطورة, لدرجة أن الإنسان يُسأل عن هذه الأشياء البسيطة؟ يا الله! هذا الخيْط والمخيَط .. فكيف بِمَن ينهب أموال الناس ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؟ اللهم تب علينا وعلى المسلمين أجمعين.

وقد قال العلماء: إن هذا ينطبق على الذى يأخذ من عمله أى شىء – ولو كان تافِهاً – بغير إذن صاحب العمل, ولا أقول بإذن المدير (إلا إذا كان هذا من اختصاصِه) لأن المدير أحياناً يتصرَّف بمزاجه, بغير وجه حق, فالذين يأخذون أكل المرضى من المستشفيات ودواءهم.. ويكتبون أنهم أخذوا الدواء الفلانى, ثم يعطونه لأقاربهم ومعارفهم, والذين يأخذون القطن والشاش والمطهّرات, لدرجة أنهم يمسحون أحذيتهم بهذا الشاش والقطن, والذين يستغلّون الماكينات والتليفونات لمصلحتهم الشخصية, والذين يوَصّلون زوجاتهم وأولادهم بسيارة العمل (إلا إذا كان مأذوناً لهم فى ذلك) والذين يأخذون الأوراق والأكياس, والذين يُفرِطون فى استهلاك المياه والكهرباء, والذين يتصرَّفون فى ودائِع الناس (ولو أشياء بسيطة, مثل الصحون والأكواب), والذين يبيعون حِصَصَ التموين الْمُدَعَّمَة – كالدقيق مثلاً – بسعر غالٍ، ويحرمون مُستحقّيها منها, والذين يهربون من الكُمْسَرِى, وغير ذلك الكثير والكثير, كل هؤلاء نقول لهم: {وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون} [البقرة:281]

شهادة الزور يعلم الناس أنها حرام, ولكنهم يجاملون أقاربهم, وأصدقاءهم, وجيرانهم، فمثلاً: جار لهم ترك منزله, وسكن فى مكان آخر، ويريد صاحب البيت أن يَسْتَرِدّ شقَّته, لاحتياجه لها، فيقول الساكن لجيرانه: لو حَد سأل عَلىَّ, قولوا ده عايش فيها, بَس بِيْسِيبها شوَيَّة يسافر ويرجع تانى, وللأسف يسمعون كلامه, ويقولون: لو ماقُلْناش كِدَه هايِزْعَل مِننّا. أو يكون إنساناً فقيراً, ويعمل مصيبة, فلا يشهدون عليه (عند القضاء) ويقولون: مارضيناش نقول انه عمل كذا.. حرام دَه غَلبان.. هايْسِيب وُلاده لمين يِأكّلهُم. يا قوم اتقوا الله.. ألا تعلمون قول ربكم جل وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء:135] وقوله: {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:152] وقول رسولكم r: ((ألا أنبّئكم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وقَوْل الزور)) [متفق عليه] وقوله: ((صِلْ من قطعكَ, وأحسن إلى من أساء إليكَ, وقُل الحق ولو على نفسك)) [صحيح الجامع:3769]

ولا يُفهم من كلامى أننا نفضح الناس بدون داعٍ (عَمّال على بَطّال) إن ذلك عند طلب الشهادة, سواء فى المحاكم أو غيرها, قال رسول الله r: ((من نفَّس عن مؤمن كُربة من كُرَب الدنيا, نفَّس الله عنه كُربة من كُرَب يوم القيامة, ومن يسَّر على مُعسِر, يسَّر الله عليه فى الدنيا والآخرة, ومن ستر مسلماً, ستره الله فى الدنيا والآخرة, والله فى عَوْن العبد, ما كان العبد فى عَوْن أخيه, ومن سَلَكَ طريقاً يلتمس فيه عِلماً, سهَّل الله له طريقاً إلى الجنة, وما اجتمع قوم فى بيتٍ من بيوت الله, يتلون كتاب الله, ويتدارسونه بينهم, إلا نزلت عليهم السكينة, وغَشِيتهُم الرحمة, وحَفَّتهُم الملائكة, وذَكَرَهُم الله فيمَن عِندَه, ومن أبطَأَ به عَمَلُه لم يُسْرِع به نَسَبُه)) [صحيح الجامع:6577] الحديث الشريف كله مفهوم, والحمد لله، ولكن لننتبه إلى عبارة ((من أبطأ به عَمَلُه لم يُسْرِع به نَسَبُه)) حتى لا يتفاخر الناس بالأنساب, ويتواكلوا عليها، فيقولوا دَه احنا مُنَسَّبين, دَه احنا من نسل النبى, دَه احنا من نسل الصحابى الفُلانى, ولا أقول هذا استهزاءً (والعياذ بالله) ولكن لأن البعض يعتقد أنه ما دام من نسل النبى r فهو أفضل من غيره، أو أن له قَدْراً عند الله (اللهم إنى أبرأُ إليكَ ممن يَسْتَخِف أو يستهزئ بنسب رسولك r أو أحد من المسلمين) إن العبرة بالعمل وليست بالنَّسَب, قال الله تعالى فى كتابه الكريم: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءلُونَ {101} فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {102}  وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ {103} تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:101-104] وقال رسول الله r: ((يا مَعْشَرَ قريش! اشتروا أنفسكم من الله, لا أُغْنى عنكم من الله شيئاً, يا بنى عبد مناف! اشتروا أنفسكم من الله, لا أُغْنى عنكم من الله شيئاً, يا عباس بن عبد المطلب! لا أُغْنى عنكَ من الله شيئاً, يا صفية عمَّة رسول الله! لا أُغْنى عنكِ من الله شيئاً, يا فاطمة بنت محمد! سَلِينى من مالى ما شِئْتِ, لا أُغْنى عنكِ من اللهِ شيئاً)) [صحيح الجامع:7982] وقال: ((كُلُّكُم بنو آدم, وآدم خُلِقَ من تراب, لَيَنْتَهِيَنَّ قومٌ يفتخرون بآبائِهِم, أو لَيَكُوننَّ أهْوَن على اللهِ من الْجُعْلان)) [صحيح الجامع:4568] ((الْجُعْلان)) معناه الخنفساء.

أرَأيتم جزاء الذى يتباهى, ويقول: دَه انا ابويا فُلان الفُلانى – دَه انا من العِيلَة الفُلانيَّة – ده انا أهلى كذا وكذا.. إلخ؟ لدرجة أنهم يتفاخرون بالملابس والطعام.. سبحان الله! قد يتساءل أحد ويقول: كيف يتفاخرون بالملابس والطعام؟ فأقول له: ألَمْ ترَ من يتباهَوْن بجهاز العروسة, ويعلِّقون بعضه على الحِبال حتى يراه الناس؟ ثم ألَمْ تسمع من يقول: دَه انا أهلى رَبُّونى على الغالى, دَه احنا كُنّا مانَكُولْش إلا السمن البلدى, واللحمة الضانى (إحنا الصعايدة أكّالين الضانى) وكُنّا بنِدْبَح الدبايِح, وكُنّا بنعمل كذا وكذا؟ وكل هذا ليس من باب إظهار نعمة الله عليهم، بل للتباهى، بدليل أنهم ينظرون إلى من هُم دونهم نظرة استعلاء، ويقولون: دُول ماكانُوش بِياكْلُوا إلا السمن الهولندى, والفول النابِت, وكذا وكذا.

الغِيبَة مرض خطير منتشر فى الأمة انتشار النار فى الهشيم، ومعناها كما جاء فى قول رسول الله r: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: ((ذِكْرُكَ أخاكَ بما يكره)) قيل: أفرأيتَ إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّه)) [صحيح مسلم] وللأسف.. فإننا نسمع كثيراً غِيبَة الناس: دَه مجرم – دَه دَمُّه تِقِيل – دَه اعمش – دَه مكسَّح – دَه غِلِس… إلى غير ذلك من الشتايم والسَّب, وإذا قلت للمغتاب اتقِ الله, قال لك: أنا مابفتريش عليه.. دَه هُوَّ كِدَه, وقد رأينا وَصْف الرسول r للغِيبَة أنها ((ذكرك أخاك بما يكره)) (ولو كان فيه) أما إن قلتَ عنه ما ليس فيه, فهو بُهتان (أى افتراء) وللأسف تجد من يخوضون فى أعراض الناس, وبعد ذلك يقولون احنا مالْنا – خلّينا فى حالْنا – احنا هانغيّر الكون – دَع الخَلْقَ للخالق. بعد إيه؟ بعدما أكلتم لحوم إخوانكم؟ وقد مَرَّ بنا قول رسول الله r: ((إن أربى الربا استطالة المرء فى عِرْضِ أخيه))

إن الغِيبَة لا تجوز, حتى للشكوى من المظالم (حتى لا يقول أحد: دَه انا بَس بفضفض عن نفسى) إلا لطلب الفتوى من العلماء (ولا يذكر اسم الذى ظلمه) وعند التقاضى. (وهناك أحوال أخرى قليلة تجوز فيها الغِيبَة, يُرجَع إليها فى كتب الفقه) وينبغى للذى يسمع غِيبَة المسلمين أن يَنهَى المغتاب, ولا يستحى منه، فإن لم يستطع فَلْيَقُم من المجلس, حتى لا يشترك معه فى الإثم, قال رسول الله r: ((لما عَرَجَ بى ربى عز وجل, مَرَرْتُ بقوم لهم أظفار من نحاس, يخمِشون وجوههم وصدورهم, فقلتُ: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس, ويَقَعون فى أعراضِهِم)) [صحيح الجامع:5213]

وأحب أن أنبّه على نوع من الغِيبَة.. وهى أنه إذا ذُكِرَ إنسان قالوا: ربنا يهديه, أو ربنا يهدينا ويهديه, أو ربنا يتوب علينا وعليه, أو ربنا يسهّل له, وقد قال عنها العلماء إنها أشد من الغِيبَة، لما تحمله من معنى أن القائل أفضل من الشخص الذى ذُكِرَ، ولِما فيها من إظهار التوَرُّع عن الغيبة الصريحة, وقد نهانا الله تبارك وتعالى عن كل هذا فى كتابه الكريم.. فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ {11} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ }  [الحجرات:11-12]

يا ناس يا مسلمون.. من يسمع كلام ربنا إن لم نسمعه نحن؟ ألَسْنا مؤمنين به؟ أَأُنزِلَ لأحَدٍ غيرنا؟ أرأيتم كيف نهانا الله عز وجل عن السخرية, التى يسمونها (تَرْيَقَة) ويُقال: دخلوا لبعض قافيَة؟ وقد قال رسول الله r: ((بِحَسْبِ امْرِئ من الشر أن يَحْقِرَ أخاه المسلم)) [صحيح مسلم] ومن السخرية أيضاً: المحاكاة, وهى التقليد للاستهزاء، كتقليد الأعرج فى مِشْيَتِه, أو الأعْوَر… أو كذا أو كذا.

النميمة معناها الوقيعة, ونقل الكلام الْمُفسِد بين الناس (دَه قال عليك كذا وكذا) وهى من الكبائر, وهناك مفهوم خاطئ.. إذ يقولون عن النميمة: {الْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:191] ومعنى الآية الكريمة فتنة الناس عن دينهم بالتعذيب والإغواء وغيره. والنميمة شَرَرُها فادِح, وخطرها عظيم, فَكَم من المصائب والشرور والفساد فى الأرض كان بسبب النميمة, قال رسول الله r: ((لا يدخل الجنة قتّات)) [متفق عليه] والقتّات هو النمّام, وقال: ((إيّاكم وسوء ذات البَيْن, فإنها الحالِقَة)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:6283] قالوا معنى ((الحالِقَة)) أى المهْلِكَة, أو الماحية للحسنات, المؤدِّية للعقاب (لا تحلق الرأس, بل تحلق الدين) وقال r: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام, والصلاة, والصدقة؟)) قالوا: بلى يا رسول الله, قال: ((إصلاح ذات البَيْن, فإن فساد ذات البَيْن هى الحالِقَة)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:2595] وقال: ((ما عَمِلَ ابن آدم شيئاً أفضل من الصلاة, وصلاح ذات البَيْن, وخُلُق حَسَن)) [صحيح الجامع:5645]

فيا إخوتى فى الله.. من كان بينه وبين أخيه خصومة فَلْيبادر بالصُّلْح، ولا يحملنا الغضب لأنفسنا على هجر أهلينا, وإخواننا, وجيراننا, ربما لمجرد كلمة قيلت, أو تصرّف خاطئ فى حقّنا, لقد قال الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّه} [الشورى:40] وبالطبع نحن نعلم نَهْى نبينا r عن الخصام أكثر من ثلاثة أيام.. حيث قال: ((لا يَحِلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث, فمن هَجَرَ فوق ثلاث فمات, دخل النار)) [سنن أبى داود, صحيح الجامع:7659] وقال: ((هَجْرُ المسلم أخاه كَسَفْك دَمِه)) [صحيح الجامع:7020] وقال: ((لا يكون لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاثة, فإذا لَقِيَه سلَّم عليه ثلاث مرات, كل ذلك لا يَرُدّ عليه, فقد باء بإثمه)) [صحيح الجامع:7775] وهنا أمر خطير: نسمع أحد الناس يقول لمن أراد أن يُصلِح بينه وبين خَصْمِه: عشان خاطْرَك انت بَس هاصَلْحُه، عشان خاطْرَك هاكَلّمُه. لا يا إخوانى.. إن الصُّلْح (أو أى معروف) لابد أن يكون خالصاً لوجه الله جل فى عُلاه, وليس لأحدٍ سواه.

ومن رأى متخاصمين, فليحاول الصلح بينهما, ابتغاء مرضاة الله، كما قال سبحانه وتعالى: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114] اللهم ألِّف بين قلوبنا, وأصلِح ذات بَيننا, وانصرنا على أعدائنا.

ومن فساد ذات البَيْن: أذَى الجار، وقد نهى عنه رسول الله r فقال: ((والله لا يؤمن, والله لا يؤمن, والله لا يؤمن)) قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: ((الذى لا يأمن جاره بوائِقَه)) [صحيح البخارى] و((بوائِقَه)) أى شروره وأذاه, وقال r: ((من كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فَلْيُحْسِن إلى جارِهِ, ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فَلْيُكْرِم ضَيْفَه, ومن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أو ليَسْكُت)) [صحيح مسلم]

وليس من الإحسان إلى الجار أن نشغّل الدِّى جِى بصوته المزعج، أو ماكينات بصوت عالٍ ليلاً (مثل الشنيور) أو النِّجَارَة، أو حرق الورق والقِمامَة التى تؤذيهم برائحتها, أو لعب الأطفال لوقت متأخّر من الليل، أو نرفع صوت المِذياع بطريقة مزعجة, كالذين يرفعون صوت الأغانى بدون مُراعاة لأحد, ويتشاجرون مع جيرانهم لأتفه الأسباب, على نقط مياه وقعت على الغسيل, أو على ضرب ولدهم, أو على قليل من التراب وُضِعَ أمام منزلهم, أو كلمة قيلت فى حَقّهِم, ولا أقول إن هذا يَصِحّ، ولكن نريد العفو والمغفرة, عسى الله أن يعفو عنّا ويغفر لنا {أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [النور:22]

التنابُز بالألقاب: وهو وصف المرْء بصِفَة تشينه أو تغضبه, لدرجة أنها تصبح بديلاً لاسمه, ويشتهر بها بين الناس, كما يُقال: فُلان الأُوزْعَة – فُلان سَوابِق – فُلان أبو كِرْش… إلخ, وكما نسمع من يقول لأخيه: يا بارِد, يا طُرُبْش, يا تِخين, يا مكَسَّح, يابُو مَناخِير كبيرة… إلخ.

وللأسف تجد هذا منتشراً بين الرجال والنساء والأطفال, وطَلَبَة المدارس والجامعات، والكل يقول لك احنا بنهزَّر, واحنا واخْدِين على كِدَه, ومابْنِزْعَلْش من بَعض، لدرجة سَبّ الأب والأم بأقذر الشتائم.. وإنا لله وإنا إليه راجعون. ونقول لهؤلاء جميعاً: إن هذا معصية لله عز وجل, سواء كنتم جادِّين أو مازحين, قال رسول الله r: ((من الكبائِرِ شَتْمُ الرجلِ والدَيْه)) قالوا: يا رسول الله.. وهل يَشْتِم الرجل والدَيْه؟ قال: ((نعم.. يَسُبُّ أبا الرجل, فيَسُبُّ أباه, ويَسُبُّ أمَّه, فيَسُبُّ أمَّه)) [صحيح مسلم] وتذكروا {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

الهَمْز واللَمْز {وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهُمَزة:1] قالوا: الهَمْز باللسان واللَمْز بالفعل، وقالوا العكس, المهم أن الاثنين حرام, فأحدهما معناه التَّعْييب باللسان, والآخر بالفعل، كما نرى من يَغمِز بعينِه لأحد لينبّهه على طريقة كلام أخيه.. كأن يكون ألْثَغ (ألدغ) أو أخْنَف, أو شيئاً فى خِلْقَتِهِ لا يُعجبه.. كأن يكون فمه مُعْوَجّاً, أو أسنانه كبيرة.. إلخ.

المنُّ بالعطاء: ترى الناس عندما يحدث بينهم شِجار أو نِزاع.. مَنُّوا على بعض بعطائِهِم (عايْرُوا بعض) فتسمع من يقول: دَه انا يامَا أكِّلْتُه – دَه انا يامَا شَرَّبْتُه – دَه لحم اكْتافُه من خِيرى – دَه عَض الإِيد اللِى اتمدَت لُه. وترى المرأة تَمُنُّ على جارتها: دَه انا يامَا خَدَمْتِك – دَه انا يامَا ادِّيتِك كذا… دَه انا كذا, دَه انا كذا, لدرجة أنهم يَمُنُّون على بعضهم بأشياء لم يفعلوها, كأن يبيع أحد التُّجّار سِِلْعَتَهُ بسعرها العادى, ويقول للمشترى: دِى عَشانَك انت بَس بكذا, دَه انا مابِعْهاش لغيرك إلا بكذا, أو من يكذب فيقول: دَه لولا انا ماكَنْش فُلان خَدَمَك, أو ماكَنْش عَمَلْها لك إلا بكذا, فيكونوا بذلك قد جمعوا بين الكذب والمنّ, وكِلاهُما من الكبائر {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ} [آل عمران:188], قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [البقرة:264] وقال رسول الله r: ((ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاقّ لوالدَيْه, والمرأة المترَجِّلَة المتشبّهَة بالرجال, والدَّيُّوث, وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاقّ لوالدَيْه, والمدْمِن الخمر, والمنّان بما أَعْطَى)) [صحيح الجامع:3071] ((الدَّيُّوث)) هو الذى يرضى الخَبَث فى أهله, ولا يَغارُ عليهم، فيرى زوجته أو أخته أو ابنته تتعرى, وتفعل أفعالاً خبيثة, ولا يُنكِرُ عليها, ((المرأة المترَجِّلَة المتشبّهَة بالرجال)) ليس كما يتوهَّمُون أنها المرأة التى تترك شعر وجهها أو حاجبيها, على طبيعتها التى خلقها الله عليها, ولكنها التى تقلّدهم فى لبسهم, أو تسريحة شعرهم, أو كلامهم… إلخ, قال رسول الله r: ((لعن الله الربا, وآكِلَه, ومُوكِلَه, وكاتبه, وشاهِدَه, وهم يعلمون, والواصِلَة, والمستَوْصِِلَة, والواشِمَة, والمستَوْشِمَة, والنامِصَة, والمتنمِّصَة)) [صحيح الجامع:5094] الوصل هو وصل الشعر بشعر مُستعار, كالباروكة, أو ما يُطِيلُون به ضفائرهم فى بعض القُرَى, ويكون على هيئة الشعر, الوَشْم معروف, ويسمونه (الدَّقّ), النَّمْص هو إزالة شعر الحاجب, أو ترقيقه, ومن العلماء من قال: إن النَّمْص هو إزالة شعر الوجه (بما فيه الحاجبين طبعاً), وقال r: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة, ولا ينظر إليهم, ولا يزكّيهم, ولهم عذاب أليم: الْمُسْبِل, والمنّان, والْمُنفِقُ سِلْعَتَه بالحَلِف الكاذب)) [صحيح مسلم]

((المنفِق سِلْعَتَه بالحلف الكاذب)) مفهومة, ولكنّا نلفت النظر هنا إلى أنه ينبغى أن نتعامل بالتسامح فى البيع, والشراء, وكل شىء, قال رسول الله r: ((إن الله تعالى يحبُّ سَمْح البَيْع, سَمْح الشراء, سَمْح القضاء)) [صحيح الجامع:1888] فلا ينبغى أن ندقّق على أشياء بسيطة, ونرى مُشاجرات بين البائع والمشترى, على بضعة قُروش مثلاً، وربما يكون البائع أو المشترى فقيراً جداً، أو فى التاكسيات, والميكروباصات, بين السائِق والراكبين على الأُجْرَة… إلخ, قَدَّر يا أخى أنه زارك فى بيتك.. ألستَ كنتَ تكرمه؟ ثم إن هذا القدر القليل من المال.. أين ذهب؟ إنه ذهب لبيت مسلم, وهو أخوك فى الله, كما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10]

ربما يرد علىَّ أحدكم, ويقول: يا عَم صَلِّ على النبى, دُول طمّاعين واستغلاليين, مايِنْفَعْش الكلام اللِى انتَ بِتْقُولُه فى الزمن دَه. فأقول له: إن حسابهم على الله, ولن يضيع الله أجرك، وَادْعُ لنا ولهم بالهداية، ألا يكفيك حب الله جل وعلا جزاءً لحسن صنيعك؟ فإذا بِعْتَ أو اشتريتَ فتساهَل, ولا تعقّد الأمور, وخصوصاً لو عَلِمْتَ أن الذى يبيع مُضطرّاً, لأننا – للأسف – نجد الناس يفرحون إذا باع أحد متاع بيته بالخسارة لاحتياجِهِ، حتى إن أحدهم لَيَقَول: دَه كان بيبيع حاجته وخَدْتها مِنُّه بِرُخْص التراب, فهل ترضى هذا يا أخى لنفسك؟ (بيع المضطر يُرجَع إليه فى كتب الفقه) ولكن الأفضل فى هذه الحالة أن تُقرِضه إلى مَيْسَرَة, أو تساعده فى مِحْنَتِه, قال رسول الله r: ((أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعهم, وأحَبُّ الأعمال إلى الله عز وجل سُرور تُدْخِلُه على مسلم, أو تكشف عنه كُربة, أو تقضى عنه دَيْناً, أو تطرد عنه جوعاً, ولأن أمْشِى مع أخى المسلم فى حاجة أحَبُّ إلىَّ من أن أعتكف فى المسجد شهراً, ومن كَفَّ غضبه ستر الله عَوْرَته, ومن كَظَمَ غيظاً ولو شاء أن يُمْضِيَه أمضاه مَلأ الله قلبه رِضًى يوم القيامة, ومن مَشَى مع أخيه المسلم فى حاجته حتى يُثبتها له أثبتَ الله تعالى قَدَمَه يوم تَزِل الأقدام, وإن سوء الخُلُق لَيُفسِد العمل كما يُفسِد الخل العسل)) [صحيح الجامع:176]

ولو باعَ لك أحد شيئاً, ولكنه لا يعرف ثمنه الحقيقى (كأن يكون أُهْدِىَ إليه, ويريد بَيعه) فوضّح له أنه يستحق أكثر من هذا, وكذلك لو صنع لك شيئاً بثمن أقل بكثير من غيره, لجهله بذلك، فبيِّن له, فإذا سامحك فَبِها ونِعْمَت، وإلا- فأعطه باقى حقه. أنا متأكد من استغراب بعض الناس لهذا الكلام, لأنهم – كما يقولون – مابِيْصَدَّقوا يلاقُوا حاجة رخيصة, وأقول لهؤلاء: هدانا الله وإياكم، إن رسول الله r قال: ((الدين النصيحة)) [متفق عليه] وهذا من باب النصيحة لأخيك المسلم, وقد أسلم الكثير والكثير بسبب أخلاق التجّار المسلمين, فى بعض الدول الأفريقية والآسيوية, كإندونسيا, وماليزيا, وغيرهما.

وأُناشِدُ إخوتى فى الله, الذين يسكنون فى المنازل القديمة – التى ما زالت على إيجارها الضئيل – أن يزيدوا إيجارها, ولو لم يفرضه عليهم القانون, لأننا نرى بعض الشقق الفسيحة, التى تحتوى على عِدَّة غُرَف, لا يتجاوز إيجارها ثلاثة, أو خمسة جنيهات, فى حين أنها تُقَدَّر (حالياً) بمئات الجنيهات. وأقول لساكنيها: إن هذه الجنيهات التى تدفعونها إيجاراً لهذه الشقق, أقل مما تعطونه فى اليوم الواحد لأولادكم, فاتقوا الله فى إخوانكم, وارضَوْا لهم ما ترضَوْنه لأنفسكم, كما قال رسول الله r: ((والذى نفسى بيدِهِ لا يؤمنُ عبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير)) [مسند أحمد, صحيح الجامع:7085]

وإذا كان أخى المسلم عليك دَيْن فاقْضِهِ بالمعروف، ومن المعروف أن تشكر صاحبه, وتُثنى عليه, ولا تكن كالذى يقول: دَه انا ادّيلُه فُلوسُه على الجزمَة! قال رسول الله r: ((من صُنِعَ إليه معروف فقال لفاعلِهِ: جزاكَ الله خيراً, فقد أبْلَغَ فى الثناء)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:6368] وقال: ((خياركم أحسنكم قضاء للدَّيْن)) [صحيح الجامع:3261] واقضِه حين يُيسّره الله لك, ولا تؤخّره حتى لو كان الدائِن غنياً, قال رسول الله r: ((مَطْلُ الغنىّ ظُلم)) [متفق عليه] وقال: ((من أخذ أموال الناس يُريدُ أداءَها, أدَّى الله عنه, ومن أخذها يُريدُ إتلافها, أتلَفَهُ الله)) [صحيح الجامع:5980]

وننصح إخواننا ألا يُثقلوا كاهِلَهُم بالديون لأسباب تافهة، كشِراء الكماليّات, أو تزيين منازلهم, أو غير ذلك, قال رسول الله r: ((والذى نفسى بيدِهِ لو أن رجلاً قُتِلَ فى سبيل الله ثم أُحْيِى, ثم قُتِلَ ثم أُحْيِى, ثم قُتِلَ وعليه دَيْن, ما دَخَلَ الجنة حتى يُقْضَى عنه دَيْنه)) [سنن النسائى, صحيح الجامع:3600] وننصح إخواننا الدائنين أن يُيَسّروا على إخوانهم المعسِرين، ولا يهينوهم, ولا يفضحوهم بين الناس, لأن جزاءهم سيكون عظيماً إن شاء الله, واقرأوا إن شئتم ما ورد فى تفسير الآية الكريمة: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون} [البقرة:280] قال رسول الله r: ((من أنظَرَ مُعْسِراً, أو وَضَعَ عنه, أظلَّهُ الله فى ظلِّهِ يوم لا ظِلَّ إلا ظِلّه)) [صحيح الجامع:6101] وقال: ((من أنظَرَ مُعْسِراً, فَلَهُ بِكُلِّ يوم مِثله صدقة, قبل أن يَحِلّ الدَّيْن, فإذا حَلَّ الدَّيْن فأنظَرَه, فلَهُ بكل يوم مِثلاه صدقة)) [صحيح الجامع:6108] وقال: ((إن لله تعالى أقواماً يختصّهم بالنِّعَم لمنافِع العباد, ويُقِرّها فيهم ما بَذَلوها, فإذا منعوها نزعها منهم, فَحَوَّلها إلى غَيرهم)) [صحيح الجامع:2164] وقال: ((من سَرَّهُ أن يُنجِيَهُ الله من كُرَبِ يومِ القيامة, فَلْيُنَفّس عن مُعْسِرٍ, أو يَضَعْ عنهُ)) [صحيح مسلم]

سوء الظن: فتجد الكلمة تُؤخَذ على مَحْمَل سيّئ, ويُظَن بصاحبها الظنون, ومن أمثلة سوء الظن قولهم: دَه هو اللى سرق كذا, دَه بيخدمنى عشان مَصْلَحته, دَه بِيِعْمِل كِدَه عشان ماحَدِّش يرُوح عنده, دِى قَصْدَها كذا, دِى هِىَّ اللى عملت لى العَمَل, دَه تِلاقِيه واخِدْ فى الحكاية دِى كذا ألف جنيه, شافتنى وعَمَلِت نفسها مِش شايفانى…إلخ.

يا قوم أحسنوا الظن بإخوانكم, وإذا بَدَرَ منهم قول أو فعل لا يرضيكم, فالتمسوا لهم العُذر، فَكَمْ من كلمة حُمِلَت على غير معناها, لا يَقصدُ قائِلها إلا الخير, وكَمْ من فعل كان ظاهره الشر, وهو عكس ذلك. إفرض مثلاً أنكَ زُرْتَ إنساناً, فقابَلَكَ أو كلَّمَكَ بطريقة لا تعجبك, فالتمس له العُذر, فالله أعلم بعبادِه, ربما كان عنده ما يَشغله, أو ما يحزنه.

ومن أشد ما يقع فيه الناس هو قذف المحصَنات, وللأسف فإن كثيراً منهم يقع فيه بمجرَّد الظن, وبغير أدْنَى بَيّنة (دَه مَشْيُه وِحِش, دِى مَشْيَها وِحِش, دِى مَشْيَها بَطّال, تِلاقِى فُلانة ماشيَة مع فُلان) قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4] أى أن الإنسان لا يَحِلُّ له أن يتكلم فى أعراض الناس, حتى لو رأى بعينه, إلا أن يكون معه ثلاثة شهداء, وحتى فى هذه الحالة لا يُشَهِّر بمن رآه, ولكنه يُدْلِى بشهادته لولىّ الأمر, ولو ستر عليه لَكانَ أفضل, قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {23} يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {24} يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:23-25] وقال رسوله r: ((اجتنبوا السَّبْع الموبِقات: الشركُ بالله, والسحر, وقتل النفس التى حرَّم الله إلا بالحق, وأكل الربا, وأكل مال اليتيم, والتوَلّى يوم الزحف, وقذف المحصَنات المؤمنات الغافلات)) [صحيح الجامع:144]

التجسس معروف (بِيْطقطق وُدانُه, بِيْلَمَّع أُكَرْ) ولكن هناك تجسساً من نوع آخر: تجد الجيران ينظرون من الشبابيك والبلكونات, وإذا رأوا شبّاك الجيران مفتوحاً, نظروا إلى داخل شقّتِهِم, وينظرون على اللى رايِح واللى جاى (طبعاً بدون غض بصر) وماذا اشترى الجار لأهل بيته, وماذا اشترت المرأة من السوق, ومن الضيوف الذين أتوا لجيرانهم, لدرجة أنهم ينظرون إلى غَسِيل بعضهم, هل هو نظيف أم مُتَّسِخ! وسؤال الناس: كنت فين – جيت مِنين – جِبْت معاك إيه – مين اللى كان عندكم – الحاجَة دِى بِكام – عَمَلْتوا أكل إيه… إلخ.

يا أخى.. يا أختى.. لا توقعوا الناس فى الحرَج, وتضطروهم للكذب, لقد قال رسول الله r: ((من حُسْنِ إسلام المرء, تَرْكُه ما لا يَعنيه)) [موطأ مالك, سنن الترمذى, صحيح الجامع:5911] وقال: ((من اطَّلَعَ فى بيتِ قومٍ بغير إذن, فَفَقَأوا عينه, فلا دِيَة لَه, ولا قَصاص)) [صحيح الجامع:6046] ولا أقول إن فَقءَ العين بغير قصاص ينطبق على ما قلناه من النظر من الشبابيك، ولكن على من نظر من ثقب الباب (أو ما شابهه) إلى ما فى بيوت الناس بغير إذنهم, وقال r: ((من صَوَّر صورة عذَّبه الله بها يوم القيامة, حتى يَنفُخ فيها, وليس بنافِخ, ومن تحَلَّم كُلِّفَ أن يَعقد شعيرتين, وليس بعاقِد, ومن استمع إلى حديثِ قوم يَفِرُّون منه, صُبَّ فى أُذُنَيْه الآنَك يوم القيامة)) [صحيح الجامع:6370] ((الآنَك)) معناه الرصاص المصهور (والعياذ بالله) وهو جزاء من استمع لحديث قوم بغير رضاهم. فينبغى للمسلم ألا يستمع لحديث قوم بغير رضاهم, حتى لو سمعهم يذكرون اسمه, لأننا أحياناً نسمع من يقول: دَه انا لَقِيتهُم بِيْجيبوا سيرتى, فوقفت عشان اسمع هايْقولوا عَلىَّ إيه, ((من تحلَّم)) أى الذى يقول حِلِمْت بكذا وكذا, وهو كاذب, “صَوَّر صورة” هو الذى يصنع التماثيل.. وهى حرام, وللأسف تجد بيوت المسلمين مَليئة بالدباديب، يا قوم.. أزادَ المال عندكم لا تجدون أين تنفقونه إلا فى هذه الدباديب؟ ألا يوجد فقراء؟ ألا يوجد يتامى؟ ألا يوجد مرضى لا يملكون ثمن الدواء؟

إن الإنسان لَيَتَعجَّب.. يرى الناس ينفقون مِئات الجنيهات فى التفاهات, وآلاف الجنيهات فى تزيين الحمامات, وعند التبرع مثلاً للمساجد, أو اليتامى والفقراء والمساكين, لا تجد إلا القليل! فى حين أن الصدقة تُظلّل صاحبها يوم القيامة, قال رسول الله r: ((كُل امرئ فى ظِلِّ صَدَقَتِهِ, حتى يُقْضَى بين الناس)) [صحيح الجامع:4510] فاتقوا الله فى أموالكم, فإنكم مسئولون عنها يوم القيامة, قال رسول الله r: ((لا تزول قَدَما عبد حتى يُسأل عن أربَع: عن عمره فيمَ أفناه, وعن علمه ما فعل فيه, وعن ماله من أين اكتسبه, وفيمَ أنفقه, وعن جسمه فيمَ أبلاه)) [صحيح الجامع:7300]

وأنصح إخوتى فى الله أصحاب المحلات.. أن يقطعوا رؤوس التماثيل التى يعرضون عليها الملابس – كما يفعل البعض جزاهم الله خيراً – وألا يعرضوا الملابس الداخلية على تماثيل نساء عرايا، فإن ذلك يخدش الحياء, لأنها تبدو مُقاربة لجسد المرأة العارية, اللهم تب علينا وعلى المسلمين.

هناك تجسس ظهر حديثاً, مثل التجسس على المكالمات التليفونية, ورسائل المحمول, والتقاط الصوَر به بغير إذن, وأحذّر النساء من الإسراف فى التعرّى أمام بعضهن, لأنه من الممكن أن تُلتَقط لهنَّ صور بالمحمول, دون أن يشعرنَ, وبالطبع لا يحدث هذا إلا ممن لا تخاف الله, لِعَرْضِها على من تشاء, وربما الرجال, وكذلك من الممكن تسجيل أصواتهنَّ وضحكهنَّ بالوسيلة نفسها. ومن التجسس المحرَّم أيضاً: قراءة أوراق الناس, أو الأشياء الخاصَّة بهم, بغير إذنهم.

من الأخطاء الشائِعَة – خصوصاً فى الأحياء الشعبية – تجد الجيران والأقارب يدخلون البيوت بغير استئذان، ويتجَوَّلون فى البيت بحرِّيتهِم، فإذا دخل صاحبه (أو صاحبته) المطبخ دخلوا وراءَه، وإذا دخل غرفة النوم دخلوا وراءَه, ثم يخرجون وينشرون أسرار بعضهم: دِى شَقّتهُم مِشْ نِضيفة – دِى مابتِعْرَفش تعمل أكْل – دِى عكّاكَة – دِى ثلاجِتهُم مَلْيانَة – دُول جابُوا حاجات جديدة – دَه كان عندهم حاجَة مِخَبّينها مِنّى, بَس انا شُفتها تحت السرير… إلخ, وهذا مخالف لأمر الله عز وجل, فإن الزيارة لها آداب لابد من مراعاتها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:27]

والاستئذان يكون ثلاث مرات فقط, وبرِفْق, كما كان يفعله رسول الله r ثم ينصرف، لا كما يفعل البعض, ويطرقون الباب كَطَرْق المخبرِين! أو يطرقون حوالى عشرين مَرَّة! والثلاث طَرْقات تكون مُتباعِدات (فى الزمن وليس فى المكان) بحيث يعطى صاحب البيت فرصة, لعلَّه يصلى، أو يُصلِح أشياء فى شَقّتِه, لا يريد أن يراها أحد. وعندما يسأله أهل المنزل, ويقولون مَن؟ فالسنَّة أن يقول: فُلان، ولا يقول: أنا, وإذا لم يُفتَح له الباب, فَلْيَنصرِف غير غضبان {وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:28] وإذا كان الباب مفتوحاً أصلاً.. فلا يقف أمامه, بحيث يرى ما بداخل الشقة, ولكن يقف بجانبه, ثم يُلقى السلام ثلاث مرات (طبعاً إذا لم يَرُدُّوا عليه فى الأولى والثانية) فإذا رَدُّوا عليه السلام, فالسنَّة ألا يدخل مُباشَرَة, ولكن يقول: أأدخُل؟ إلا إذا كانت طريقتهم فى استقباله تَدُل يقيناً على أنهم مُرَحّبون به, ويريدون دخوله, ثم يجلس فى المكان الذى يختاره صاحب البيت، ولا يفعل أى شىء إلا بإذنه، حتى الصلاة .. قال العلماء: إنه لا يصلى فى بيت مَضِيفِه إلا بإذنِه, ولا ينصرف من البيت إلا بإذنه, ويُستَحبُّ فى أيامنا هذه أن نُبَلّغ الناس أوَّلاً بالتليفون, كَيْلا نفاجئهم بالزيارة.

وتَتَبُّع عَوْرات الناس, وإفشاء أسرارهم, من المحرَّمات, قال رسول الله r: ((يا مَعْشَر من آمنَ بلسانِهِ ولم يَدْخُل الإيمانُ قلبَهُ, لا تغتابوا المسلمين, ولا تتبعوا عَوْراتهِم, فإنه من تَتَبَّعّ عَوْرَة أخيهِ المسلم, تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ, ومَن تَتَبَّعَ الله عَوْرَتَهُ يفضَحْهُ, ولو فى جَوْفِ بيتِهِ)) [صحيح الجامع:7984] ومن تَتَبُّع العَوْرات ما يفعله البعض من تَتَبُّع أخبار الناس, حتى يعلم أسرارهم, وزَلاتهِم, وعيوبهم, فيقول مثلاً: هُوَّ فُلان طلَّق مِراتُه لِيه, أو هُوَّ اجَّوِّز عليها لِيه, دِى لازِم فيها حاجَة, هو العسكرى كان بِيْخَبَّط على فُلان ليه, دَه لازِم عَمَل حاجَة, هِىَّ فُلانَة سابِتْ خطيبها لِيه, وغير ذلك الكثير والكثير. اللهم تب علينا وعلى المسلمين والمسلمات.

هَتْك سِرّ الفِراش: أن يُحَدّث الرجل أصدقاءه بما حدث بينه وبين زوجته، وتحدّث هى جيرانها بما حدث بينها وبين زوجها, وهذا كَشف للعَوْرات, لا يُرضى الله ورسوله، وتأباه الفِطرَة السليمة، غير ما فيه من إثارَة للشهوات, وهتك للأعراض, قال رسول الله r: ((إن من أشَرِّ الناس عند الله مَنزِلَةً يوم القيامة, الرجل يُفضِى إلى امرأتِهِ, وتُفضِى إليه, ثم يَنشُر سِرَّها)) [صحيح مسلم]

والعجيب أنه لا يحلو للبعض الكلام إلا فى هذه الأشياء, ويقولون احنا بِنهَزَّر. أين الحياء يا عباد الله؟ لقد كان رسول الله r أشدّ الناس حياءً، اسمعوا – باركَ الله فيكم – لقوله: ((الحياءُ من الإيمان, والإيمان فى الجنة, والبَذاء من الجفاء, والجفاء فى النار)) [سنن الترمذى وابن ماجه, صحيح الجامع:3199] وقوله: ((إن الله تعالى يُبْغِضُ الفاحِش المتَفَحِّش)) [صحيح الجامع:1877] وقوله: ((ليسَ المؤمنُ بالطعّان, ولا اللعّان, ولا الفاحِش, ولا البَذِىء)) [سنن الترمذى, صحيح الجامع:5381] اللهم استُر عوراتنا واحفظنا, واحفظ أهلينا, والمسلمين أجمعين.  

وأُوَجّه نصيحة خاصة لأبنائى وبناتى حَدِيثِى الزواج.. ألا يَقُصُّوا على أحد – وخصوصاً الذين لم يتزوجوا – ما حدث فى ليلة الزفاف وما بعدها. ونقول لمن يفعلون ذلك: اتقوا الله فى شباب المسلمين, ولا تثيروا شهواتهم, ولا تكونوا عَوْناً للشياطين عليهم, لأنهم لا يجدون الحلال, فماذا يفعلون؟

وأحبُّ أن أُنبّه هنا على أمر خطير, ألا وهو تناقُل أخبار الساقطين والساقطات, وحكاية ما حدث بينهم من الفواحش والخيانات, سواء فى الصحف, أو المجلات, أو غير ذلك, لأن هذا يساعد على انتشار الفاحشة, ويُهوّن من أمرها, وقد قال العلماء: إن تناقُل هذه الأخبار داخل فى معنى الآية الكريمة: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] وتناقُل أخبارهم يُقَسّى القلوب, ويجعل الإنسان يشعر بأنه أفضل من غيره بكثير, حتى إنهم ليقولون: دَه احنا احسن من غيرنا بِكْتِير, وبهذا يتكاسلون عن أعمال الخير, أما تناقُل أخبار الصالحين والصالحات, فإنها ترقّق القلوب, وتُشعِرُ الإنسان بأنه لا يساوى بجانبهم شيئاً, فينشَط فى فعل الطاعات والقُرُبات. وكذلك ينبغى أن نَكُفّ عن تناقُل أخبار السرِقَة, والقتل, والشِّجار, وشرب الخمر, وغير ذلك من المعاصى, لأنها تزيد شَرَرها, وانتشارها فى المجتمع, وتُضيّق الصدور, وتُقسّى القلوب, اللهم إنا نعوذ بك من الفواحِش والفِتَن, ما ظَهَرَ منها وما بَطَن.

الرِّشوة (ويسمونها هَدِيَّة أو الشاى) أيَظُن الذى يرتشى أن الله سيتركه هَمَلا بغير حساب؟ كلا.. اسمعوا قول ربكم جل وعلا: {قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:100] وقول رسوله r: “لَعْنَةُ الله على الراشِى, والمرْتشِى” [سنن ابن ماجه, مسند أحمد, صحيح الجامع:5114]

أتعلمون يا من تضيّعون حقوق العباد, وتعطونها لغير مُستَحِقّيها, ما معنى اللعنة؟ لقد فسَّرها العلماء بأنها الطرد من رحمة الله (والعياذ بالله) ولا تُغالطوا أنفسكم, وتقولوا إنها هدية, وليست رِشوة، فقد ذهب رجل إلى رسول الله r وقال له: هذا لكم, وهذا أُهْدِىَ إلىَّ، فغَضِبَ رسول الله r وقام يخطب فى الناس, ويقول: ((أمّا بَعدُ.. فما بالُ العامِل نستعمله, فيأتينا فيقول: هذا من عملكم وهذا أُهْدِىَ إلىَّ, أفلا قَعَدَ فى بيتِ أبيِهِ وأُمّه فينظر هل يُهْدَى لَه أم لا؟ فوالذى نفس محمد بيدِهِ, لا يَغُلّ أحَدُكُم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عُنُقِهِ, إن كان بَعِيراً جاء به لَهُ رُغاء, وإن كانت بقرة جاء بها لها خُوار, وإن كانت شاة جاء بها تَيْعَر, فقد بَلَّغْتُ)) [صحيح الجامع:1357] وقال r: ((هدايا العُمّال غُلول)) [مسند أحمد, صحيح الجامع:7021] وقال: ((من استعملناه على عمل, فرزقناه رزقاً, فما أخذ بعد ذلك فهو غُلول)) [سنن أبى داود, صحيح الجامع:6023]

وكيف تطيبُ أنفسكم أن تأكلوا من الحرام؟ وتطعموا أولادكم من الحرام؟ أتظنون أنهم سيكونون بارّين بكم؟ لقد قال رسول الله r: ((كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ من سُحْتٍ فالنار أوْلى بِهِ)) [صحيح الجامع:4519] فمن كانت النار أوْلى به فكيف يكون حاله؟ والحديث – بالطبع – ليس خاصاً بالرِّشوَة, ولكنه ينطبق على كل أنواع الكَسْب الحرام (والعياذ بالله) اللهم اكفنا بحلالِك عن حرامِك, وأغنِنا بفضلِك عن من سواك.

استخدام الجرائد والمجلات فى الأشياء الْمَهينة, مثل مسح الأحذية, ومسح القاذورات من على الترابيزات, والدخول بها فى الحمامات, ووضعها فى القِمامة, وفَرْشِها فى الساحات العامَّة للصلاة عليها (وخاصَّة فى الأعياد) مما يُعَرِّضُها للسيْر عليها بالأقدام, وغير ذلك من سُبُل الإهانة, وهى لا تخلو حَتماً من ذِكْر آية, أو حديث, أو اسم مُضاف لله تعالى, كعبد الله, وعبد الرحمن, وغير ذلك من أسماء الله جل وعلا. وأنا أعلمُ أن هذا مما يوقع الكثير من المسلمين فى الحرَج, لأنهم لا يَدرون ماذا يفعلون! وأقول لهم: إن الله سبحانه وتعالى {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} فما قَدَرْنا عليه من عدم إهانتها فَعَلناه, وما لم نقدِر عليه فنسأل الله أن يعفو عنا. أما وَضْعها فى القِمامة.. فمن الممكن أن نضعها فى كيس خاصّ بها, ونغلِقه عليها, حتى لا تختلط ببقية القِمامة. واستخداماتها الأخرى التى ذكرناها – وما شابهها – فبإمكانِنا الكَفّ عنها إن شاء الله.

وننصح إخواننا أصحاب المصانع, والمحلات التجارية, ألا يضعوا أسماءهم – أو غيرها – على الأكياس والورق, إن كان فيها اسم لله تعالى, لأنها توضَع فى القِمامة, وتُرمَى على الأرض, وتُداس بالأقدام, ولكن يضعوا كُنيَتَهُم.. مثل أبو فُلان, أو أى كُنيَة حلال, فمن السنَّة مُناداة المرء بأبى فُلان, بدلاً من مناداته باسمه, حتى لو لم يكن له أولاد, وحتى لو كان غير متزوج.

الذهاب للمَصايِف (بوضعها الحالى) وما فيها من عُرْى النساء والرجال, ونظر بعضهم إلى بعض, وهذا النظر محرَّم, وقد سَمّاه الرسول r زنى النظر, فى قوله: ((كُتِبَ على ابن آدم نصيبه من الزنى, مُدْرِكٌ ذلك لا مَحالَة, فالعينان زِناهما النظر, والأذنان زِناهما الاستماع, واللسان زِناه الكلام, واليَدُ زِناها البَطْشُ, والرِّجْلُ زِناها الْخُطا, والقلب يَهْوَى ويتمنَّى, ويُصَدِّقُ ذلك الفَرْجُ ويُكَذّبُهُ)) [صحيح مسلم] وقال عن تَكَشُّف النساء لغير أزواجهنَّ: ((أيُّما امرأة وَضَعَت ثيابها فى غير بيت زوجها, فقد هَتَكَت سِتر ما بينها وبين الله عز وجل)) [سنن ابن ماجه, مسند أحمد, صحيح الجامع:2710]

فيا إخوتى فى الله إن الأمر جِدُّ خطير، ويتطلَّبُ مِنّا استعانة بالله جل وعلا، وتوبة نصوحاًً، وعَزماً على التغيير.. فإن الله لن يُغيَّر ما بِنا, حتى نُغَير ما بأنفسِنا {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] ويجبُ علينا أن تكون مجالِسنا مجالِس ذكر لله عز وجل, لا مجالِس لَغْو, وغِيبَة, ونميمة, وثَرثَرَة, وقِيل وقال, وتضييع للعمر بغير فائدة, وأن نربى أولادَنا على طاعة الله ورسوله, وتعظيم حبّهما فى قلوبهم, بدلاً من أن نربّيهم على الأفلام, والمسرحيات, واللهو, واللعب, ولا يكون كُل هَمّنا الأَكْل, والملابس, والتعليم، والدين آخر حاجة نفكَّر فيها, حتى إننا نجد من يَصِلُ إلى أعلى الشهادات, ويأخذ الماجيستير, وربما الدكتوراه, ولا يعلم كيف يقرأ كتاب الله عز وجل, ولا يُحسِنُ الوضوء والصلاة, وتسمع من يتباهى, ويقول: انا أدّيت رسالتى, ربّيتهم أحسن تربِيَة, وأكّلتهم أحسن أكْل, ولبّستهم أحسن لِبْس, ودخَّلتهم أحسن مَدارِس, وما عَلَّمَهُم آية واحدة من كتاب الله, ولا المحافظة على أداءِ الصلاة, وكُلّنا يعلم أن الرسول r قال: ((مُرُوا أولادَكُم بالصلاةِ وهم أبناء سَبْعِ سنين, واضربوهم عليها وهم أبناء عَشْرِ سنين, وفَرِّقوا بينهم فى المضاجِع)) [سنن أبى داود, صحيح الجامع:5868] ولكن بعض الآباء والأمَّهات يُشفِقون على أولادِهم أن يستيقظوا لصلاة الفجر، ويقولون: مَعْلِشْ سِيبُه.. أصْل الدنيا بَرْد, ولو قام ممكن يِعْيا، أمّا للمدرسة.. لا- إلا المدرسة! انت عايز تضيَّع مستقبله ولْلا إيه يا عَم الشيخ!

ألا تستحون من ربكم جل وعلا؟ أأصبحَ كُل شىء فى الدنيا مُهِمّاً إلا الدين؟ سبحان الله! إننا لو كنا نحبهم ونتمنى لهم السعادة, فالسعادة الحقيقية فى رضا الله جل وعلا, وفى دخول الجنة, ولا يُفهَم من كلامى أنى أحُضُّ على عدم التعليم، بل أريدُ أن أذكّر إخوانى بالمهِمَّة التى من أجلها خُلِقنا {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلا لِيَعْبُدُون} [الذاريات:56] اللهم تب علينا وعلى جميع العُصاة والمذنبين, اللهم لا تحرِمنا لذَّة النظر إلى وجهِكَ الكريم, وأدخلنا الجنة برحمتك يا أرحم الراحمين, مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين.

مشاركة مميزة

تحميل المصحف الشريف اصدار سطح المكتب

إصدار سطح المكتب قراءة سهلة بدون إنترنت تحميل مجانا للماك تحميل مجانا للويندوز استخدم قرآن فلاش على جهاز الويندوز أو الما...